مملكة نوميديا بين الحقيقية التاريخية و الاكذوبة الجزائرية8٩

دائما ما كان الجزائريون يؤكدون على ان مملكة نوميديا تعود إليهم لكن هذا الطرح يعتمد على قراءة تاريخية انتقائية، ويحتاج إلى توضيح بعض النقاط لتجنب التفسيرات القومية المتحيزة.
1. نوميديا ككيان تاريخي
نوميديا لم تكن “جزائرية” ولا “تونسية” بالمعنى الحديث، لأنها وُجدت قبل تشكّل الدول الحالية. كانت مملكة أمازيغية تمتد على أجزاء من تونس، الجزائر، وليبيا الحالية. عاصمتها سيرتا (قسنطينة اليوم)، وكانت تحكمها سلالات أمازيغية مثل ماسينيسا ويوغرطة، ولم تكن تحت سيطرة تونس ككيان سياسي منفصل.
2. النفوذ القرطاجي والروماني
قبل الميلاد، كان النفوذ القرطاجي قوياً على الساحل الشرقي لنوميديا، لكنه لم يُلغِ استقلال الممالك الأمازيغية. بعد سقوط قرطاج، أصبحت المنطقة جزءًا من الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت مقسمة إلى مقاطعات مثل “أفريكا الرومانية” (تشمل تونس الحالية) و”نوميديا الرومانية” (تشمل شرق الجزائر الحالي).
3. التاريخ العثماني وإعادة ترسيم الحدود
عند وصول العثمانيين في القرن الـ16، لم تكن هناك حدود ثابتة بين ما يعرف اليوم بالجزائر وتونس. الإيالات العثمانية لم تكن دولًا مركزية بحدود صارمة، بل كانت مناطق نفوذ. صحيح أن بعض الولايات الشرقية للجزائر اليوم كانت ضمن إيالة تونس في بعض الفترات، لكن ذلك لم يجعلها “تونسيّة” بالمفهوم الحديث، لأن السكان حافظوا على هويتهم الأمازيغية والعربية المستقلة.
4. اللهجات والعادات المشتركة
التشابه في اللهجات والعادات بين الشرق الجزائري وتونس ليس دليلاً على “ملكية تونس لهذه الأراضي”، بل هو نتيجة الامتداد الثقافي الطبيعي. نفس الظاهرة نجدها بين شمال المغرب ومدينة وهران، أو بين ليبيا وتونس. الحدود السياسية الحديثة لا تعني القطيعة الثقافية.
خلاصة
نوميديا ليست جزائرية ولا تونسية بالمفهوم الحديث، بل كانت مملكة أمازيغية مستقلة. الشرق الجزائري كان تحت نفوذ عدة قوى تاريخية، لكنه لم يكن جزءًا “من تونس” كدولة حديثة، بل كان جزءًا من كيانات أوسع (قرطاج، روما، البيزنطيين، العثمانيين). الحدود التي نراها اليوم هي نتاج لفترات تاريخية متتالية، ولا يمكن إسقاط مفاهيم الدول الحديثة على العصور القديمة.



