بين القانون والشارع: رشيدة داتي في عين العاصفة السياسية

بقلم: سيداتي بيدا
تجد رشيدة داتي، الوزيرة الفرنسية ذات الجذور المغربية وأحد الوجوه الأكثر حضورًا وإثارة للجدل في المشهد السياسي الفرنسي، نفسها اليوم أمام اختبار غير مسبوق، تتقاطع فيه مقتضيات العدالة مع ضغوط الرأي العام، وتتصادم فيه قرينة البراءة مع منطق الشبهة والريبة. فالقضية التي تطفو على السطح، بما تحمله من اتهامات ثقيلة، لا تمس شخص داتي فحسب، بل تضرب في عمق النقاش الفرنسي المزمن حول الأخلاق السياسية وحدود النفوذ داخل دوائر السلطة.
التحقيقات القضائية الجارية، التي تتناول شبهات فساد واستغلال نفوذ وتبييض أموال، أعادت فتح ملفات حساسة تتعلق بعلاقة السياسيين بعالم المال والأعمال. إجراءات التفتيش التي طالت منزل داتي ومكتبها البلدي، كما تداولته وسائل الإعلام، زادت من حدة الجدل، ورسخت لدى شريحة من الرأي العام انطباعًا بأن القضية أكبر من مجرد سوء فهم إداري أو تضخيم إعلامي.
في المقابل، ترفع رشيدة داتي راية الدفاع بقوة، متشبثة بقرينة البراءة التي يكفلها الدستور والقانون الفرنسيان. وتنفي الوزيرة جملةً وتفصيلًا كل الاتهامات الموجهة إليها، معتبرة أن ما قامت به يندرج في إطار أنشطة مهنية قانونية ومصرّح بها، وأنها لم تتجاوز يومًا الخط الأحمر بين الخدمة العامة والمصلحة الخاصة. فريق دفاعها يذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن القضية تُستثمر سياسيًا لتصفية حسابات مع شخصية صدامية اعتادت كسر التوافقات الناعمة.
سياسيًا، وضعت هذه التطورات الحكومة الفرنسية في موقف بالغ الحساسية. فالإصرار على بقاء داتي في منصبها، بدعوى غياب حكم قضائي نهائي، يعكس احترامًا شكليًا للفصل بين السلط، لكنه في الوقت ذاته يفتح جبهة انتقادات واسعة حول المعايير الأخلاقية للسلطة التنفيذية، وحدود التسامح مع الشبهات عندما يتعلق الأمر بمسؤولين في مواقع القرار.
ويرى متابعون أن هذه القضية تجاوزت إطارها القضائي لتتحول إلى مرآة تعكس أزمة ثقة أعمق بين المواطن والمؤسسات. ففرنسا، التي ترفع لواء الشفافية ومحاربة الفساد، تجد نفسها مرة أخرى أمام امتحان صعب: هل تكفي البراءة القانونية لترميم الشرعية الأخلاقية؟ أم أن السياسة، بحكم طبيعتها، مطالبة بمعايير أعلى من مجرد سلامة الموقف القضائي؟
بين مسار قضائي لم يحسم بعد، وضغط إعلامي لا يرحم، تخوض رشيدة داتي معركة على جبهتين: جبهة القانون لإثبات براءتها، وجبهة الرمز والصورة لاستعادة ثقة رأي عام بات أكثر تشددًا وأقل تسامحًا. وفي النهاية، يبقى القضاء وحده صاحب الكلمة الفصل، بعيدًا عن منطق الإدانة الاستباقية أو التبرئة المجاملة.
متابعة محمد الباز



