الفعل السياسي في المغرب: نهاية زمن النخب القديمة وحاجة الدولة إلى تجديد جلدها

✍️ نجيب الأضادي
منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، انطلق الفعل السياسي في البلاد على أسس حملت طموحات بناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، لكن الطريق لم يكن معبدًا. فقد شابت هذه التجربة منذ بداياتها صراعات بين القصر والأحزاب الوطنية، واضطرابات داخلية، وغياب التوافق حول طبيعة النظام السياسي، مما أفرز فترة من التوتر السياسي والتعثر في بناء المؤسسات.
عرف المغرب محطات مهمة في تطوره السياسي، من بينها وضع أول دستور سنة 1962، ومرورًا بسنوات الرصاص وما تلاها من انفراج سياسي نسبي في التسعينات، وصولًا إلى الإصلاحات الدستورية الكبرى لسنة 2011، والتي جاءت في سياق الربيع العربي، وأكدت على توسيع صلاحيات البرلمان والحكومة وتعزيز الحقوق والحريات.
ورغم هذه التحولات الدستورية المهمة، فإن الفعل السياسي في المغرب لا يزال يعاني من عدة عيوب بنيوية. فقد تحوّلت الأحزاب السياسية إلى أدوات انتخابية جوفاء فاقدة للوظيفة التأطيرية، وعرفت الحياة السياسية نوعًا من الركود، وسادت ظواهر النفور الشعبي من المشاركة السياسية، وضعف ثقة المواطن في المؤسسات المنتخبة، واحتكار القرار العمومي من طرف دوائر ضيقة، مما قلص من فعالية العمل السياسي وأثره الواقعي على حياة الناس.
كما أن هيمنة الحسابات الضيقة و”الانتهازية السياسية” على سلوك كثير من الفاعلين السياسيين أفرغت المؤسسات من مضمونها الديمقراطي، وأضعفت من دينامية الوساطة، مما جعل الدولة تجد نفسها في أكثر من مرة مضطرة للتدخل المباشر في تدبير الملفات الكبرى.
أمام هذا الواقع، لا يمكن إنكار أن المغرب في حاجة ماسة إلى تجديد النخب السياسية والفكرية، ليس فقط عبر تغيير الأسماء، بل عبر تغيير الجلد بالكامل، والقطع مع جيل استنفد كل طاقاته ورصيده التاريخي.
المغرب اليوم بحاجة إلى جيل جديد من المثقفين والفاعلين الشباب، الواعين والواقعيين، القادرين على فهم التحولات الدولية والمحلية، وعلى هندسة حلول حقيقية تتماشى مع حاجيات الشعب المغربي وتطلعاته نحو الكرامة والعدالة والازدهار.
إن بناء مغرب المستقبل لا يمكن أن يتحقق بأدوات الماضي، بل يتطلب شجاعة سياسية لفتح المجال أمام الكفاءات الجديدة، وتحديث الثقافة السياسية، وتجديد العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.



