بين طموحات السياسيين وواقع المواطن المغربي: حين يغيب التقدير الحقيقي للمسؤولية

في الوقت الذي يعيش فيه المواطن المغربي تحت وطأة أزمات اجتماعية واقتصادية متشابكة، تتّسع الفجوة يوماً بعد يوم بين واقع الشعب وهمومه، وطموحات بعض القيادات السياسية التي تبدو وكأنها تنتمي لعالم آخر. فبينما ينتظر المغاربة مبادرات جادة تعيد الثقة في العمل السياسي، يختار بعض المسؤولين الانشغال ببناء مجد شخصي، والترويج لأنفسهم كمرشحين محتملين لمناصب عليا، رغم غياب أي حصيلة ملموسة تبرّر هذا الطموح.
تسري داخل بعض الأحزاب اليوم أحاديث عن صراعات داخلية وسباق محموم نحو زعامة الحكومة المقبلة، وهو ما يكشف عن خلل في ترتيب الأولويات، إذ يغدو الهدف الشخصي أهم من المصلحة العامة. ومهما حاول البعض تبرير هذا الطموح بذرائع سياسية أو تنظيمية، فإن الواقع يفضح ضعف الأداء الحكومي والحزبي على السواء، خاصة في القطاعات التي يفترض أن تكون قريبة من نبض الشباب والثقافة والإبداع.
المفارقة أن هذه الطموحات المبالغ فيها تأتي في وقتٍ يعرف فيه المشهد الحزبي فتوراً واضحاً في الثقة الشعبية، وتراجعاً في نسبة المشاركة السياسية، الأمر الذي يستدعي من القيادات السياسية قراءة واقعية للمشهد، بدل الانغماس في حسابات ضيقة تُغذّي الانقسام وتُضعف صورة المؤسسات.
كما يثير الجدل بين الفينة والأخرى بعض المواقف التي تُبرز نزعة محافظة تجاه مشاركة المرأة في تدبير الشأن العام، وهو ما يعاكس روح الدستور المغربي الذي كرّس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. فالنقاش حول أهلية المرأة لتولي مناصب قيادية لم يعد نقاشاً فكرياً، بل أصبح اختباراً حقيقياً لمدى التزام النخب بقيم الحداثة والتقدم.
اليوم، ومع اقتراب الاستحقاقات السياسية المقبلة، يبدو ضرورياً أن يُعاد طرح سؤال الكفاءة والالتزام، وأن تُعطى الأولوية للأداء والإنجاز بدل الولاءات والمجاملات. فالمغاربة لم يعودوا يقيسون السياسيين بخطاباتهم أو طموحاتهم، بل بما قدّموه فعلاً على أرض الواقع.
إن المغرب في حاجة إلى قيادات تضع المصلحة الوطنية فوق الطموحات الفردية، وتستمد شرعيتها من العمل لا من الصورة، ومن الثقة لا من الشعارات.
وبين حلم الزعامة وواجب الخدمة، يظل الرهان الحقيقي هو بناء سياسة تحترم ذكاء المواطن، وتعيد الاعتبار للعمل العام كمجال للعطاء لا للتمجيد الذاتي.



