أخبار عامة

حب في الداخلة.. حين تتكلم الصحراء بلغة الضوء وتروي الحكاية بلغة الشفاء

بقلم/ سيداتي بيدا

في مدينةٍ تتقاطع فيها زرقة المحيط مع صفرة الرمال، وفي فضاءٍ تتماهى فيه الطبيعة مع الروح، يولد الفيلم المغربي «حب في الداخلة» للمخرج خالد الإبراهيمي كأنشودة بصرية عن الإنسان في لحظات هشاشته ونهوضه، وعن الصحراء المغربية بوصفها فضاءً للسكينة ومسرحاً للمعنى.الفيلم، الذي حصد الجائزة الكبرى «سيزانغ الذهبية» في المهرجان الأفريقي للسينما والوسائط السمعية البصرية (FACAS) بساحل العاج، جاء كتحيةٍ للسينما المغربية في أبهى تجلياتها الإنسانية والجمالية.ليست الداخلة في هذا العمل مجرد خلفيةٍ جغرافية، بل كائنٌ حيٌّ يتنفس بالصمت ويبوح بالضوء. فالإبراهيمي يجعل من المكان شخصية فاعلة، تنصت للشخصيات وتحتضن وجعها بلطف الرمال وهدوء الموج. ومن خلال هذه العلاقة الحميمة بين الإنسان والطبيعة، ينسج الفيلم لغة سينمائية تتجاوز الحكاية لتلامس جوهر الوجود.يحكي «حب في الداخلة» سيرة امرأتين يلتقي مصيرهما عند مفترق الألم والأمل.ماجدة، التي تتعافى من مرض السرطان، تشدّ الرحال إلى الصحراء بحثاً عن معنى جديد للحياة، فتجد في الزوايا الصوفية إشارات للسلام الداخلي.أما حسناء، التي انكسرت تحت وطأة خيانة زوجٍ جشع، فتختار ركوب الأمواج وسيلة للتحرر واستعادة ذاتها المفقودة.امرأتان تلتقيان في فضاءٍ واحد، كلتاهما تكتشف أن الشفاء لا يسكن الأجساد، بل يبدأ من عمق الروح.يقدّم الإبراهيمي عملاً بصرياً يراهن على جماليات الصمت أكثر من كثافة الحوار، وعلى الإيقاع الهادئ الذي يسمح للصورة بأن تتنفس.الضوء في الفيلم ليس مجرد إضاءة، بل لغة سردية تكشف التحولات النفسية للشخصيات، والموسيقى ليست خلفية، بل صدى للمشاعر الدفينة.كل لقطة تحمل ملمحاً من التأمل، وكل مشهد يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان، بين الوجع والرجاء.من خلال «حب في الداخلة»، تواصل السينما المغربية ترسيخ حضورها القاري والدولي، لا بتقليد الآخر، بل بالعودة إلى عمق الذات المغربية الغنية بالرموز والتجارب.فالفيلم، في جوهره، تأملٌ في فلسفة البقاء، واحتفاءٌ بالأنثى في قدرتها على النهوض من الرماد.إنه عمل يعلّمنا أن الصحراء ليست صمتاً، بل لغة.وأن الحب، حين يولد من رحم الألم، يصبح نوعاً من الشفاء.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button