هل تقترب الجزائر من طي صفحة النزاع مع المغرب؟

تصريحات ويتكوف تفتح الباب أمام “سلام مغاربي تاريخي”… لكن بشروط معقدة
في تصريحات لافتة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، كشف ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن واشنطن “تعمل بنشاط على اتفاق سلام بين المغرب والجزائر”، وأن الإعلان عنه قد يتم “في غضون ستين يوماً”.
ورغم أن هذه التصريحات لم تتأكد رسمياً من الطرفين، إلا أنها أعادت إحياء النقاش حول مستقبل الصراع الإقليمي المزمن، وما إذا كانت الجزائر فعلاً بصدد مراجعة موقفها من ملف الصحراء المغربية.
🟢 خلفيات التحرك الأمريكي
الولايات المتحدة كانت، منذ اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في دجنبر 2020، طرفاً فاعلاً في محاولة إيجاد حل سياسي واقعي ودائم. وجاء تصريح ويتكوف في سياق متغير دولي يتسم بسباق النفوذ في إفريقيا، حيث تسعى واشنطن إلى تقوية شراكاتها مع الحلفاء المستقرين، وفي مقدمتهم المغرب.
ويتكوف، المعروف بعلاقاته القوية داخل الدوائر الاقتصادية والسياسية الأمريكية، أشار إلى أن “السلام أصبح معدياً”، في إشارة إلى نجاحات دبلوماسية حديثة ترعاها بلاده، ما يوحي برغبة واشنطن في تصدير نموذج “التهدئة” إلى شمال إفريقيا.
🟡 مؤشرات إيجابية… وتحفّظات جزائرية
رغم صمت الرسميين في الجزائر، إلا أن بعض المؤشرات الدبلوماسية توحي بوجود ليونة في الموقف الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية والداخلية.
لكن الحديث عن “استسلام كامل” أو “تفكيك مخيمات تندوف” كما رُوِّج في بعض المنصات، يبقى سابقاً لأوانه، إذ لا توجد تأكيدات رسمية أو عملية في هذا الاتجاه.
التحول الحقيقي ـ إن حصل ـ سيكون مرتبطاً بقبول الجزائر ضمنياً بمقترح الحكم الذاتي المغربي كحلٍّ واقعي للنزاع، وهو ما تعتبره الرباط شرطاً لأي تقارب مستقبلي.
🔴 العقبات أمام اتفاق شامل
من الناحية العملية، أي اتفاق سلام بين البلدين سيصطدم بعدة تحديات، أبرزها:
- النفوذ داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي ما زالت ترى في العداء للمغرب ورقة داخلية لتوحيد الصف.
- ملف اللاجئين في تندوف، حيث توجد أطراف مستفيدة من استمرار الوضع القائم.
- الشكوك المتبادلة، نتيجة تراكم عقود من القطيعة والتصعيد الإعلامي والدبلوماسي.
🟣 المغرب: موقف ثابت ورؤية متفائلة
في المقابل، يواصل المغرب التأكيد على أن يده ممدودة للحوار “دون شروط مسبقة”، مستنداً إلى دعوات الملك محمد السادس المتكررة في خطاباته إلى “بناء مغرب كبير متصالح مع ذاته”، وهو ما يمنح الرباط رصيداً سياسياً وأخلاقياً قوياً أمام المجتمع الدولي.
🔵 خلاصة تحليلية تصريحات ويتكوف
تصريحات ويتكوف ـ سواء كانت جزءاً من مبادرة حقيقية أو مجرد اختبار سياسي ـ تعكس إدراك واشنطن أن استمرار التوتر بين الرباط والجزائر يعرقل استقرار منطقة حيوية غنية بالموارد.
لكن تحقيق “سلام فعلي” لن يكون ممكناً إلا إذا قررت الجزائر تغيير عقيدتها الدبلوماسية القائمة على المواجهة، لصالح رؤية جديدة عنوانها التعاون والتكامل المغاربي.
حتى ذلك الحين، تبقى الكرة في ملعب قصر المرادية، والعالم يترقّب ما إذا كان عام 2026 سيشهد ميلاد صفحة جديدة من “السلام المغاربي المنتظر”. 🇲🇦🤝🇩🇿
🟢 الأقاليم الجنوبية: المستفيد الأكبر من أي سلام محتمل
إذا ما تحقق هذا التقارب فعلاً، ستكون الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية — العيون، الداخلة، السمارة، وبوجدور — من أكبر المستفيدين.
فالمشاريع التنموية الضخمة التي أطلقتها الرباط خلال السنوات الأخيرة، مثل الميناء الأطلسي بالداخلة، والطريق السريع تيزنيت–الداخلة، والمناطق الصناعية واللوجستيكية الجديدة، كلها مؤهلة لأن تتحول إلى مراكز إقليمية للتبادل التجاري نحو إفريقيا الغربية.
إن إنهاء النزاع وفتح الحدود سيسمح بتدفق الاستثمارات، وعودة العلاقات التجارية الطبيعية بين البلدين، ما سيجعل الجنوب المغربي جسراً اقتصادياً حقيقياً بين الجزائر والمحيط الأطلسي.
كما ستتعزز فرص الشغل، والنقل، والسياحة، والتعاون الأمني في منطقة الساحل التي تعاني من تهديدات متزايدة.
بعبارة أخرى، السلام لن يكون مكسباً سياسياً فحسب، بل اقتصادياً وتنموياً وإنسانياً، يفتح الباب أمام بناء فضاء مغاربي جديد، أكثر استقراراً وانفتاحاً على المستقبل.