أخبار عامة

مغرب الردع الكروي: “المنتخب الثالث” يُتوج بطلاً ويرسم حدود “الملعب السياسي”

تحليل: في حدث يجمع بين رموز الدبلوماسية الرياضية والسياسة الإقليمية، يتخطى الفوز المغربي في بطولة قطر الحدود الرياضية ليصبح رسالة ذات أبعاد متعددة.


السياق الدبلوماسي: جلوس وزير الداخلية مع كبار الرموز

قبل انطلاق الصافرة الأولى، رسم المشهد الدبلوماسي ملامح البطولة. حضور وزير الداخلية المغربي، السيد عبد الوافي لفتيت، في جلسة تجمعه بتميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، والملك عبد الله الثاني ولي عهد الأردن، وجياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، لم يكن محض صدفة. هذا اللقاء الرباعي في الدوحة جمع بين ركنين أساسيين: القرار السياسي الرفيع (الوزير المغربي)، والسلطة الرياضية العالمية (الفيفا)، والحلفاء الإقليميين (قطر والأردن). وهي صورة توحي بأن “الملعب” هنا يتسع لأكثر من كرة القدم.

البطولة: محاولة للتغطية أم منصة للتنافس؟

يأتي تنظيم قطر لهذه البطولة، التي تضم منتخبات عربية، في توقيت دقيق. فهو يتقاطع مع حصول المغرب على حق تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025، وهو الحدث الكروي القاري الأبرز. يرى مراقبون أن البطولة القطرية محاولة “لتوجيه الأنظار” أو خلق منافسة رمزية على الصدارة الرياضية العربية، في حين يصر الإعلام القطري على أنها خطوة لتعزيز الأخوة الرياضية. لكن لافتًا أن التغطية الإعلامية الوطنية المغربية، كما يلاحظ المحللون، تعاملت مع الحدث بحذر وربما “عدم إعطائه قيمة استثنائية”، ما يعكس قراءة مختلفة لأهميته النسبية.

الصاعق: فوز “المنتخب الثالث” المغربي ورسالته الصارخة

المفاجأة الكبرى لم تكن في فوز المغرب باللقب، بل في كيفية تحقيقه. فالمغرب شارك بما يوصف بـ “المنتخب الثالث”، وهو تشكيلة شابة وغير أساسية، تجمعت من لاعبين شبان ومواهب واعدة، دون المساس بنخبة المنتخب الوطني الأول الذي يخوض منافسات أكبر. هذا “المنتخب الافتراضي” لا يشارك في أي بطولة رسمية أخرى سوى هذه البطولة الخاصة.

مسار الفوز كان “مهينًا” للفرق العربية المنافسة، حسب وصف بعض المعلقين، لأنه أثبت أن حتى المستوى الاحتياطي المغربي قادر على التفوق. الرسالة كانت واضحة: هناك هوة كروية، والمغرب يمتلك عمقًا لاعبيًا وإستراتيجية تطوير تضعفه في موقع الصدارة العربية بلا منازع، سواء أراد المنافسون ذلك أم لم يريدوا. العبارة الختامية في التقرير الأولي “و الله غالب على أمره” تلخص هذه الروح من الثقة والجبروت.

التأويل: أكثر من مجرد كرة

هذا الفوز بمثل هذه التشكيلة يحمل دلالات سياسية واجتماعية:

  1. الردع الرياضي: إثبات أن محاولة تحدي الهيمنة الرياضية المغربية في المنطقة، حتى بدعم إعلامي ودبلوماسي، مصيرها الفشل أمام جودة الهيكلة المغربية.
  2. السيادة في القرار: المغرب يقرر مستوى مشاركته وقوة فريقها وفق أجندته هو، لا ضغطًا على أي منافسة. المشاركة بفريق ثالث هي قرار بحد ذاته يحمل رسالة استعلاء مهذبة.
  3. تجاوز الإطار الرياضي: الحدث يصبح مجازًا عن موازين القوة الإقليمية، حيث يحقق المغرب أهدافه (الفوز والرسالة) بأقل موارد (المنتخب الاحتياطي)، بينما تفشل محاولات “التغطية” أو خلق نجومية بديلة.
  4. وحدة الجبهة الداخلية: رغم أي خلافات داخلية، فإن الإنجاز الرياضي يظهر “المغرب الرسمي” و”المغرب الكروي” في انسجام تام، مقدّمًا صورة وطنية موحدة للخارج.

الخلاصة: كرة القدم لغة السياسة الجديدة

ما حدث في الدوحة لم يكن بطولة عابرة. كان مشهدًا كاملًا: افتتاح دبلوماسي عالي المستوى، منافسة رياضية ذات خلفية إقليمية، وخاتمة بقوة صاعقة من فريق “غير موجود” نظريًا. لقد استخدم المغرب “المنتخب الثالث” كأداة ردع كروي، ليؤكد أنه “سيد الميدان”، وأن رياح الكرة العربية، وحتى بعض رياح السياسة، تهب من جهتهم. الفوز لم يكن مجرد كأس، بل كان تأكيدًا على موقع في المشهد الإقليمي، رسالته: “شاء من شاء وأبى من أبى”.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button